فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قوم: الأُم واحدة، وهَبْ أن أباهم كان حِمارًا وأشركوا بينهم في الثلث؛ ولهذا سُمّيت المشتركة والحِمَاريّة.
رُوي هذا عن عمر وعثمان وابن مسعود أيضًا وزيد بن ثابت ومسروق وشُريح، وبه قال مالك والشافعي وإسحاق.
ولا تستقيم هذه المسألة أنْ لو كان الميت رجلًا.
فهذه جملةُ من علم الفرائض تضمّنتها الآية، والله الموفق للهداية.
وكانت الوراثة في الجاهلية بالرُّجولية والقوّة، وكانوا يورّثون الرجال دون النساء؛ فأبطل الله عز وجل ذلك بقوله: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ}.
{وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} كما تقدّم.
وكانت الوراثة أيضًا في الجاهلية وبدء الإسلام بالمحالَفة، قال الله عز وجل: {والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] على ما يأتي بيانه.
ثم صارت بعد المحالفة بالهجرة؛ قال الله تعالى: {والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حتى يُهَاجِرُواْ} [الانفال: 72] وسيأتي.
وهناك يأتي القول في ذوي الأرحام وميراثهم، إن شاء الله تعالى.
وسيأتي في سورة النور ميراث ابن الملاعَنة وولد الزنا والمكاتَب بحول الله تعالى.
والجمهور من العلماء على أن الأسير المعلومَ حياته أن ميراثه ثابت؛ لأنه داخل في جملة المسلمين الذين أحكام الإسلام جارية عليهم.
وقد رُوي عن سعيد بن المُسَيِّب أنه قال في الأسير في يد العدوّ: لا يرث.
وقد تقدّم ميراث المرتدّ في سورة [البقرة] والحمد لله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

بعد أن بيّن ميراث ذي الأولاد أو الوالدَيْن وفصّله في أحواله حتّى حالة ميراث الزوجين، انتقل هنا إلى ميراث من ليس له ولد ولا والد، وهو الموروث كلالة، ولذلك قابل بها ميراث الأبوين.
والكلالةُ اسم للكلال وهو التعب والإعياء قال الأعشى:
فآليتُ لا أرثي لَها مِن كلالة ** ولا من حفى حتّى أُلاقي مُحَمَّدا

وهو اسم مصدر لا يثنيّ ولا يجمع.
ووصفت العرب بالكلالة القرابةَ غيرَ القربى، كأنّهم جعلوا وصوله لنسب قريبه عن بُعد، فأطلقوا عليه الكلالة على طريق الكناية واستشهدوا له بقول من لم يسمّوه:
فإنّ أبا المرءِ أحمى له ** ومَوْلى الكلالة لا يُغْضَبُ

ثم أطلقوه على إرث البعيد، وأحسب أنّ ذلك من مصطلح القرآن إذ لم أره في كلام العرب إلاّ ما بعد نزول الآية.
قال الفرزدق:
ورثتم قَنَاةَ المجد لا عن كلالة ** عن ابنَيْ مناف عبدِ شمس وهاشمِ

ومنه قولهم: ورِث المجدَ لا عن كلالة.
وقد عدّ الصحابة معنى الكلالة هنا من مشكل القرآن حتّى قال عُمر بن الخطاب: ثلاث لأن يكون رسول الله بَيّنهن أحبّ إليّ من الدنيا: الكلالةُ، والربا، والخلافةُ.
وقال أبو بكر: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان والله منه بريء، الكلالة ما خلا الولدَ والوالدَ.
وهذا قول عمر، وعلي، وابن عباس، وقال به الزهري، وقتادة والشعبي، وهو قول الجمهور، وحكي الإجماع عليه، وروي عن ابن عباس الكلالة من لا ولد له أي ولو كان له والد وينسب ذلك لأبي بكر وعمر أيضًا ثم رجعا عنه، وقد يستدلّ له بظاهر الآية في آخر السورة: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد} [النساء: 176] وسياق الآية يرجّح ما ذهب إليه الجمهور لأنّ ذكرها بعد ميراث الأولاد والأبوين مؤذن بأنّها حالة مخالفة للحالين.
وانتصب قوله: {كلالة} على الحال من الضمير في {يورث} الذي هو كلالة من وارثه أي قريب غير الأقرب لأنّ الكلالة يصحّ أن يوصف بها كلا القريبين.
وقوله: {أو امرأة} عطف على {رجل} الذي هو اسم {كان} فيشارك المعطوف المعطوف عليه في خبر {كان} إذ لا يكون لها اسم بدون خبر في حال نقصانها.
وقوله: {وله أخ أو أخت} يتعيّن على قول الجمهور في معنى الكلالة أن يكون المراد بهما الأخ والأخت للأمّ خاصّة لأنَّه إذا كان الميّت لا ولد له ولا والد وقلنا له أخ أو أخت وجعلنا لكلّ واحد منهما السدس نعلم بحكم ما يُشْبه دلالةَ الاقتضاء أنّهما الأخ والأخت للأم لأنّهما لمّا كانت نهاية حظّهما الثلث فقد بقي الثلثان فلو كان الأخ والأخت هما الشقيقين أو اللذين للأب لاقتضى أنّهما أخذا أقلّ المال وترك الباقي لغيرهما وهل يكون غيرهما أقرب منهما فتعيّن أنّ الأخ والأخت مراد بهما اللذان للأمّ خاصّة ليكون الثلثان للإخوة الأشقّاء أو الأعمام أو بني الأعمام.
وقد أثبت الله بهذا فرضًا للإخوة للأمّ إبطالا لما كان عليه أهل الجاهلية من إلغاء جانب الأمومة أصلًا، لأنّه جانب نساء ولم يحتج للتنبيه على مصير بقيّة المال لما قدّمنا بيانه آنفًا من أنّ الله تعالى أحال أمر العصابة على ما هو متعارف بين من نزل فيهم القرآن.
وعلى قول ابن عباس في تفسير الكلالة لا يتعيّن أن يكون المراد بالأخ والأخت اللذين للأمّ إذ قد يفرض للإخوة الأشقّاء نصيب هو الثلث ويبقى الثلثان لعاصب أقوى وهو الأب في بعض صور الكلالة غير أنّ ابن عباس وافق الجمهور على أنّ المراد بالأخ والأخت اللذان للأمّ وكان سبب ذلك عنده أنّ الله أطلق الكلالة وقد لا يكون فيها أب فلو كان المراد بالأخ والأخت الشقيقين أو اللذين للأب لأعطيناهما الثلث عند عدم الأب وبقي معظم المال لمن هو دون الإخوة في التعصيب فهذا فيما أرى هو الذي حدا سائر الصحابة والفقهاء إلى حمل الأخ والأخت على الذين للأمّ.
وقد ذكر الله تعالى الكلالة في آخر السورة بصورة أخرى سنتعرّض لها. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امرأة وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس فَإِن كانوا أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثلث}.
المراد في هذه الآية بالإخوة الذين يأخذ المنفرد منهم السدس وعند التعدد يشتركون في الثلث ذكرهم وأنثاهم، سواء إخوة الأم بدليل بيانه تعالى أن الإخوة من الأب أشقاء أولا، يرث الواحد منهم كل المال، وعند اجتماعهم يرثون المال كله للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال في المنفرد منهم وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وقال في جماعتهم: وإن كانوا إخوة رجالًا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين. وقد أجمع العلماء على أن هؤلاء الإخوة هم الإخوة من الأب، كانوا أشقاء أو لأب. كما أجمعوا على أن قوله: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} الآية. أنها في إخوة الأم. وقرأ سعد بن أبي وقاص: وله أخ أو أخت من أم. والتحقيق أن المراد بالكلالة عدم الأصول والفروع كما قال الناظم:
ويسألونك عن الكلالة ** هي انقطاع النسل لا محالة

لا والد يبقى ولا مولود ** فانقطع الأبناء والجدود

وهذا قول أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- وأكثر الصحابة وهو الحق إن شاء الله تعالى. واعلم أن الكلالة تطلق على القرابة من غير جهة الولد والوالد، وعلى الميت الذي لم يخلف والدًا ولا ولدًا، وعلى الوارث الذي ليس بوالد ولا ولد. وعلى المال الموروث عمن ليس بوالد ولا ولد. غلا أنه استعمال غير شائع واختلف في اشتقاق الكلالة.
واختار كثير من العلماء أن أصلها من تكاله إذا أحاط به ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس، والكل لإحاطته بالعدد لأن الورثة فيها محيطة بالميت من جوانبه لا من أصله ولا فرعه.
وقال بعض العلماء: أصلها من الكلال بمعنى الإعياء: لأن الكلالة أضعف من قرابة الآباء والأبناء.
وقال بعض العلماء: أصلها من الكل بمعنى الظهر وعليه فهي ما تركه الميت وراء ظهره، واختلف في إعراب قوله كلالة. فقال بعض العلماء هي حال من نائب فاعل يورث على حذف مضاف. أي: يورث في حال كونه ذا كلالة أي قرابة غير الآباء والأبناء، واختاره الزجاج وهو الأظهر، وقيل هي مفعول له، أي: يورث لأجل الكلالة أي القرابة، وقيل هي خبر كان، ويورث صفة لرجل، أي: كان رجل موروث ذا كلالة ليس بوالد ولا ولد، وقيل غير ذلك والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي جواز الوصية بكل المال وبأي بعض أريد، ومما يوافق هذه الآية من الأحاديث ما روى نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له مال يوصى به ثم تمضي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده» فهذا الحديث أيضا يدل على الاطلاق في الوصية كيف أريد، إلا أنا نقول: هذه العمومات مخصوصة من وجهين: الأول: في قدر الوصية، فإنه لا يجوز الوصية بكل المال بدلالة القرآن والسنة، أما القرآن فالآيات الدالة على الميراث مجملا ومفصلا، أما المجمل فقوله تعالى: {لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ الوالدان والاقربون} [النساء: 7] ومعلوم أن الوصية بكل المال تقتضي نسخ هذا النص، وأما المفصل فهي آيات المواريث كقوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ الانثيين} [النساء: 11] ويدل عليه أيضا قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الذين لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضعافا خَافُواْ عَلَيْهِمْ} [النساء: 9] وأما السنة فهي الحديث المشهور في هذا الباب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «الثلث والثلث كثير إنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس».
واعلم أن هذا الحديث يدل على أحكام:
أحدها: أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث، وثانيها: أن الأولى النقصان عن الثلث لقوله: «والثلث كثير» وثالثها: أنه إذا ترك القليل من المال وورثته فقراء فالأفضل له أن لا يوصي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» ورابعها: فيه دلالة على جواز الوصية بجميع المال إذا لم يكن له وارث لأن المنع منه لأجل الورثة، فعند عدمهم وجب الجواز.
الوجه الثاني: تخصيص عموم هذه الآية في الموصى له، وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث، قال عليه الصلاة والسلام: «ألا لا وصية لوارث». اهـ.
قال الفخر:
قال الشافعي رحمة الله عليه: إذا أخر الزكاة والحج حتى مات يجب إخراجهما من التركة، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجب، حجة الشافعي: أن الزكاة الواجبة والحج الواجب دين فيجب اخراجه بهذه الآية، وإنما قلنا إنه دين، لأن اللغة تدل عليه، والشرع أيضًا يدل عليه، أما اللغة فهو أن الدين عبارة عن الأمر الموجب للانقياد، قيل في الدعوات المشهورة؛ يا من دانت له الرقاب، أي انقادت، وأما الشرع فلأنه روي أن الخثعمية لما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحج الذي كان على أبيها، فقال عليه الصلاة والسلام: «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزىء؟ فقالت نعم، فقال عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق أن يُقضى» إذا ثبت أنه دين وجب تقديمه على الميراث لقوله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} قال أبو بكر الرازي: المذكور في الآية الدين المطلق، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى الحج دينا لله، والاسم المطلق لا يتناول المقيد.
قلنا: هذا في غاية الركاكة لأنه لما ثبت أن هذا دين، وثبت بحكم الآية أن الدين مقدم على الميراث لزم المقصود لا محالة، وحديث الاطلاق والتقييد كلام مهمل لا يقدح في هذا المطلوب، والله أعلم. اهـ.